الأحد الثاني من الرسل
قوّة الله تُخلّصنا من الخطيئة (لو 7: 31- 50)
تدعونا أمنا الكنيسة اليوم إلى أن نتأمل حياتنا في ضوءِ كلمة الله التي تُليت على مسامعنا وفيها تُفضَح خطيئة الإنسان، خطيئتنا نحن ال
الأحد الثاني من الرسل
قوّة الله تُخلّصنا من الخطيئة (لو 7: 31- 50)
تدعونا أمنا الكنيسة اليوم إلى أن نتأمل حياتنا في ضوءِ كلمة الله التي تُليت على مسامعنا وفيها تُفضَح خطيئة الإنسان، خطيئتنا نحن الذين لا نُبالي بما يشعر به الإنسان من ألمٍ بسبب خطاياه، بل نوجّه إليه أصابع الاتهام والسخرية. فالفريسي الذي دعاه الله ليكون كاملاً، ظلَّ عن الطريق وظنَّ أن تعبّده يُعطيه الحق في دينونة الآخرين والحكم عليهم، متناسياً أن الله لا يُريد الخطيئة ولكنه يبقى يُحب الخاطئ، وتعبده لله يجب أن يكشِف له عن عظمة محبة الله التي دعتهُ ليسيرَ طريق الكمال، لا لأنه يستحق، بل لأن الله بمحبتهِ أعطاه القوة ليسير هذا الطريق.
قساوة قلبهِ جعلتهُ مُقصرا في تقديم واجبِ الضيافة للضيف الإلهي، ليس هذا فحسب، بل جعلتهُ يُخفي هذا القصور خلف اتهامات وظنونٍ مُسيئة وجهها نحو المرأة التي ما أن رأت المعلم الإلهي حتّى انكشفَت أمامهُ، وعرِفت أنها خاطئة، لكنه آمنت أن محبّة الله أعظم من خطاياها. الخطايا التي جعلتها ضعيفةً وبعيدة عن الله والمجتمع، فالخطيئة تقطع الشِركة التي لنا مع الله ومع الآخرين، لكن محبة الله هي التي أعطتها القوّة لتعود إليه غير آهبةٍ لما سيقوله الناس عنها، بل متغلبةً على خطاياه الكثيرة وتقترب إلى الله الذي جذبها إليه ولم تتوقفَ عن السير نحوه مهما كانت الاعتراضات. هي تُريد الله ولا ترغب في أن يفلت من يديها، لأنه هو الذي أمسكها.
لقد منحها حضور ربّنا يسوع سلاماً: "اذهبي بسلامٍ"، وآمنت بهذا السلام: إيمانُك خلّصك"، فشعرت بالقوة على الرغم من ضعفها ولم تُبالي بما ستواجهه من نظراتٍ وإتقاداتٍ، فما يهمّها هو أن تصلِ عند ربّنا يسوع. فالقوة التي اُعطيت لها ليس لتشتهرِ وتنال إعجاب الناس، أو من أجل السيطرة على الآخرين أو لإزاحة هذا أو ذاك عن طريق الحياة. قوة الروح القدس تجعل الإنسان متواضعاً، لا ينسبُ إلى نفسه ِشيئاً، بل إلى الله الذي ناصرهُ، فتغلّب على الأقوى: الشر والخطيئة: "أستطيع كل شيءٍ بذاك الذي يُقويني" (فل 4: 13)
القوة هو واحدة من مواهب الروح القُدس، ولربما يكون غريباً جداً أن نُصلي ليهبنا الروح القدس القوّة، لأن الإنسان أفسدَ معنى القوة من خلال استخدامه المُهلِك للقوة. فراحت الملايين ضحية قوّة الانسان وجبروته. ولكن القوة التي يهبُها الروح القدُس ليست قوّة للموت، بل قوة للحياة. قوة الروح القدس ليست للحرب مثل قوّة الإنسان بل هي قوة للحياة. قوة الروح جعلت هذه المرأة ثابتة على الطريق لا تُبالي بنظرة هذا وذاك، بل تتقدم بخطى واثقة صوبَ المعلّم الإلهي، وهي تسمع همسات الحاضرين، لكن قوة محبة الله جذبتها، بل غيّرتها وأعطتها السلام الذي فقتده بالخطيئة، فشهِدت لمحبة الله التي وهبت لها الخلاص. قوة الروح القُدس تهب لنا الثبات لنواصل السير مسيحيين على قلب المعلم الإلهي، ونقاوم كل الإغراءات التي تجعلنا نبغي القوة التي يتطلع إليه العالم.
فعلينا أن نُصلي ليهبنا الله موهبة القوة لا لكي ندين الناس أو نحكم عليهم، لكن لنقبلهم بالمحبة التي بها قبلنا الله. فلنصلِ ليهبَ لنا الروح القدس القوّة ليزول الخوف والقلق من قلوبنا، ونعيش دعوتنا مؤمنين أننا أقوياء بالمسيح يسوع، مثلما قال بولس الرسول: "أستطيع كل شيءٍ بالمسيح الذي يقويني". فنحن اليوم بحاجة إلى هذه القوّة التي تُعطي الحياة لقلوبنا وتُعيدنا السلام إليه، وتُرجعنا إلى الله وإلى القريب.
نحن بحاجة إلى قوّة الروح فنواصل مسيرة الإيمان بثبات على الرغم من التحديات التي يسعى العالم ليضعها امامنا. فالفريسي ومَن معه حالوا منع هذه المرأة من الوصول إلى يسوع، لكنها واصلت واستجابت بسخاء مثلما اُعطي لها بسخاء، فكانت شاهدة لمحبة الله، مثلما فعل ويفعل قديسو الله الذين اختارهم ليكون مناراتٍ على الطريق. فأن تكون مسيحياً اليوم يعني أن تواصل السير بثبات ووضحٍ عارفاً أنك تريد اللقاء بالمسيح يسوع. أن تكون مسيحياً يعني أن ترفض أساليب القوّة التي يسعى العالم للحصول عليها، وتستبدلها بالقوة التي يهبها الروح القُدس. أن تكون مسيحياً يعني أن تسعى مُحباً لتكون صانعَ سلامٍ، وباذرَ محبةٍ على مثال ربّنا يسوع الذي دعانا ًلنكون في العالم جسورَ سلامٍ فلا نرى نقائص الآخرين، بل نرى محبّة الله لهم، ونحُبهم مثلما هو يُحبهم.